قانون الكراء الجديد في المغرب
يعتبر عقد الكراء من العقود التي حضيت باهتمام تشريعي كبير، بالنظر لأهميته الاجتماعية والاقتصادية ولارتباطه بفئة واسعة من المواطنين، الذين أعوزتهم الوسائل المادية الكافية، سواء للحصول على سكن لائق أو محل مناسب لمزاولة نشاطهم التجاري او ما في حكمه لكسب قوتهم.
وعقد الكراء، هو عقد بموجبه يمنح أحد الطرفين للآخر، منفعة منقول أو عقار، خلال مدة معينة،بمقابل يلتزم الطرف الآخر بدفعه، ويتميز عقد الكراء بجملة من الخصائص، فهو من العقود الرضائية من حيث المبدأ، كما أنه من العقود الزمنية التي يعتبر فيها عنصر الزمن عنصرا أساسيا لتحديد الالتزامات الملقاة على عاتق المكتري بالخصوص، كأداء الوجيبة الكرائية التي تبقى أيضا من خصائص هذا العقد.
وقد كان عقد الكراء منظما في أول أمره بنصوص قانون الالتزامات والعقود لكن تطور مظاهر الحياة وتعقدها، كشف مدى عجز هذا القانون عن تنظيم هذا العقد، خاصة أمام تزايد الطلب على المحلات أمام ندرتها، واستغلال المكرين لحاجات الناس بفرض شروط تعاقدية مجحفة، متمسكين في كل ذلك بمبدأ سلطان الإرادة الشيء الذي استدعى تدخلا تشريعيا لتنظيم هذا العقد، بمقتضى نصوص تتلاءم وهذه المتغيرات، فكان أن أصدر ظهير ينظم به كراء المحلات للإستعمال السكني والمهني، وهو ظهير 25-12-1980، لكن تنظيمه لعقد الكراء التجاري كان قبل ذلك بكثير، إذا كان أول ظهير نظم هذا الكراء هو ظهير 1928 الذي جاء في ظل ظرفية اقتصادية واجتماعية، تميزت بندرة المحلات التجارية وغلاء الواجبات الكرائية مما أدى بالمشرع للتدخل وتعطيل بعض الأحكام العامة للكراء، ووضع قواعد جديدة هي عبارة عن قيود على حرية التعاقد، فمنع فسخ الكراء بإنتهاء مدته، وجعل مراجعة الكراء خاضعة للرقابة، ثم ظهير 21 مارس 1930، الذي يعتبر في الحقيقة أول تشريع منظم لكراء المحلات التجارية والصناعية والحرفية، وهو أول قانون اقر أحقية المكتري في التعويض في حالة رفض التجديد على أساس قيمة الأصل التجاري، وربط رفض التعويض بوجود سبب مشروع وخطير من جانب المكتري، تم كان بعد ذلك ظهير 5 يناير 1953 الذي نظم المراجعة الدورية لاثمان كراء الأماكن المستغلة للتجارة والصناعة والحرف أثناء سريان العقد، وقد حل محله ظهير 22 ماي 1954 الذي جاء لتنظيم كراء المحلات التجارية والصناعية والحرفية، فيما يخص بالأساس، القواعد الواجب سلوكها لتجديد العقد، وتولية الكراء واسترجاع المحل، وغير ذلك مما يدخل في نطاقه. وهكذا توالت تدخلات المشرع مع تطور الحياة الاقتصادية ونموها، وكذا ازدياد حاجة المكترين إلى الحماية، بشكل تراجع معه مبدأ سلطان الإرادة لتحل محله إرادة المشرع بقواعده الآمرة وهو الأمر الذي تجسد بوضوح في ظل ظهير 24 ماي 1955، الذي يعتبر القانون المنظم لعقد الكراء التجاري الى يومنا هذا بعد كل المحطات التي مر بها تنظيمه، وقواعد هذا الظهير، حدد المشرع نطاق تطبيقها، فهي تهم العقارات التي يزاول فيها التاجر والصناعي والحرفي نشاطه، وكذا الملحقات بالمحل التجاري بشرط أن تكون لازمة لنشاطه واكثريت لهذا الغرض مع موافقه المكري كتابة، وكذا الأراضي غير المبنية التي يشيد عليها المكتري التاجر أو الحرفي أو الصناعي، أبنية لاستغلال نشاطه التجاري، ولا تطبق أحكامه على عقود الكراء الطويلة الأمد، لأن لها أحكاما خاصة، ولا على عقارات الاحباس التي تملك فيها ادارة الاحباس أكثر من ثلاثة أرباع العقار، وكذا العقارات الجارية على ملك الدولة والجماعات المحلية، والتي تستهدف المصلحة العامة.
كما أن تطبيق مقتضيات هذا الظهير تقتضي توفر شروط أخرى، من قبيل توفر عقد بين المكري والمكتري، ومرور مدة معينة سنتين إذا كان العقد مكتوبا وأربع سنوات إذا كان شفويا.
وإذا كان كل من الكراء المدني والتجاري، حظيا باهتمام المشرع، يتجلى من خلال حرصه على تنظيمها بمقتضى نصوص خاصة، فإن اهتمامه بالكراء التجاري، كان أكبر، بالنظر لارتباطه بالمشاريع الاقتصادية التي يراهن عليها لتحقيق التنمية الاقتصادية، اهتمام ما فتئ يتزايد بعد أن هبت على بلادنا رياح العولمة، لذلك ستقتصر دراستنا لموضوع الكراء، على الكراء التجاري، خاصة إذا استحضرنا تنوع النصوص التي تعالج بعض جوانب هذا العقد ، كمدونة التجارة وكذا بعض النصوص الخاصة سواء بمراجعة الوجيبة الكرائية أو كيفية استفاءها، وبعض نصوص ق ل ع التي لازالت تنظم بعض جوانب هذا العقد. وإلى جانب هذه الأهمية النظرية يكتسي موضوع الكراء التجاري أهمية عملية.
فقد شهدت قضايا ومنازعات الكراء العقاري المعروضة أمام القضاء في الآونة الأخيرة ارتفاعا مهولا بسبب فقدان الثقة بين المكري والمكتري وتعدد النزاعات الناشئة بينهما فقد بلغ عدد منازعات الكراء المسجلة في المحاكم المغربي في العام الماضي 25658 قضية بعد ما كانت لا تتعدى 18412 قضية سنة 2007 وبينما بث القضاء في 12258 قضية بقيت 18550 تنتظر البت فيها وذلك بفعل طول وتعقد مسطرة الفصل في المنازعات القضائية المتعلقة بعقود الكراء، وهو ما جعل الحكومة تبادر إلى صياغة مشروع قانون جديد لقطاع السكن المعد للكراء، يهدف على تجاوز القوانين التي سقطت بعدم الاستعمال أو عدم الملائمة للواقع السوسيواقتصادي الحالي.
لذلك وأمام هذا الاهتمام التشريعي الكبير بتنظيم العلاقة الكرائية لخلق نوع من التوازن بين الحقوق والالتزامات التي تهم كل طرف، وكثرة النزاعات والدعاوى المعروضة على القضاء، يبقى التساؤل الذي يطرح نفسه هل حققت هذه النصوص التوازن المنشود بين طرفي العلاقة الكرائية.
اللهم احفظ ولي أمرنا سبط الرسول الكريم مولاي جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده وبارك في عمره ومتعه بالصحة والعافية في الحل والترحال.
تعليقات
إرسال تعليق